Search me

Tuesday, October 18, 2011

في التحول الديموقراطي العربي





"هرمنا من أجل هذه اللحظة التاريخية" لعل هذه المقولة قيلت لتصف لحظة تاريخية تونسية كان قمتها سقوط زين العابدين بن علي، الا أنها أيضا تعبر عن لحظة تاريخية لاتقل أهمية وهي بداية التحول الديموقراطي ليس في تونس وحدها ولكن في دول الثورات العربية ماثار منها ومن مازال ينتظر. وهي كذلك تؤشر الى إرتباط الوقت المطول وبداية المسير المضني نحو الديموقراطية.

وفي البداية يجب التاكيد بأن الديموقراطية هي ليست نهاية المطاف الذي تسعى اليه الشعوب. لان الديموقراطية هي حالة مستمره من التطور المتفاعل . والديموقراطية تعبر عن تصور الشعوب لشكل المستقبل الذي ترغب فيه. وبما ان هذا التصور يحوي متطلبات وآمال ورؤى متجدده فبذلك تكون الديموقراطية في تغير و تجدد وتوسع على مستويين :عامودي يشمل البنية السياسية والاجتماعية والاقتصادية وأفقي يستوعب مطالب جديده ويرسم حدودا لايمكن التراجع عنها.

فعلى سبيل المثال نجد بأن الديموقراطيات المستقرة في الغرب تشهد دائما وعلى نحو مستمر عمليات تفاعل بين شبكات المصالح و النخب السياسية والمشرعين ومؤسسات المجتمع المدني حول التقدم والتراجع الديموقراطي. وعلية فليس هناك حالة من الديموقراطية المكتمله.بل هو مد وجزر ديموقراطي. ولكن لايجب ان يفهم من ذلك بان الديموقراطيات الغربية تتجه نحو الديكتاتوريه انما هي قضية حريات يتم التطاول عليها فتشكل ضررا للبنية الديموقراطية. ولو أخذنا الولايات المتحدة مثلا للديموقراطيه – بصرف النظرعن خلافية المضمون – نجد بأن التشريعات التي تبيح استخدام التعذيب على معتقلي غوانتنامو قد أثارت معارك بين منظمات حقوق الانسان والحكومة الامريكية، حيث اعتبرت هذه التشريعات هجوما على قيم الديموقراطية. وكذلك هو الحال في تشريعات أوروبا من خلال تعاملها مع المهاجرين والغجروالتضييق عليهم ونبذهم وهو مايتعارض مع قيم الحرية واحارم حقوق الانسان. ولعل أوضح مثال للتعدي على الحريات والديموقراطية هي حادثة إعتقال الشيخ رائد صلاح في بريطانيا والتي استنفرت قوى الدفاع عن الحريات والديموقراطية الى أن إنتصرت قضيتها.

وهنا يجدر التنبة بأن التحول الديموقراطي هو بداية الطريق في صراع مرير بين القوى التي ترغب بالعودة الى عصر الديكتاتورية وبين القوى الثائرة والتي تناضل من اجل العبور نحو الديموقراطية المستقره والتي قد تتطلب سنين طويلة. ففي الثورات السلمية كما في تونس ومصر تعيد الأطراف التي إنخرطت بعملية التحول الديموقراطي سواء أكانت ضده أو معه الى إنتاج نفسها وأدواتها. فمن ناحية تتشكل شبكات مصالح مرتبطة بالنظام تتحرك داخل بنية الدولة القائمة وخارجها بشكل يتأقلم مع الوضع الجديد ويحافظ على مصالحها أو من خلال الاستفاده من أي هيكليات قائمة لتبطئ أو تعكس عملية التحول الديموقراطي. وبنظرة سريعة الى مصر كحالة متقدمة في الربيع العربي نجد بأن الحزب الوطني قد اعاد تشكيل نفسه من خلال إيجاد أحزاب جديده مستفيدا من شبكة مصالح قائمة من اكثر من ثلاثين عاما. أو بالنظر الى المؤسسة العسكرية نجد بان النظام يستفيد من المؤسسة العسكرية والتي كانت موالية للنظام من اجل عرقلة وعكس حالة التحول الديموقراطي. ومن ناحية اخرى نجد ان القوى الشبابية والسياسية تعيد أيضا إنتاج نفسها على شكل أحزاب سياسية ومؤسسات وقوى مجتمع مدني. وبين هذه وتلك تبقى حالة من الصراع هي أهم مايسبغ مرحلة التحول الديموقراطي. فكما هو واضح في مصر أعاد المجلس العسكري تفعيل قانون الطواري والى وقت قريب كانت حكومة شرف تحاكم المدنيين أمام محاكم عسكرية. في حين تم صياغة القانون الانتخابي بما يلائم قوى الحزب الوطني المنحل ويكفل سيطرتهم. في المقابل نجد ان قوى الثورة تلجأ لأداتها المميزة وهي النزول للشارع من أجل المضي في عملية التحول الديموقراطي.

في حين يرى الكثير من المنظرين أن الدول التي قامت فيها ثورات مسلحه للاطاحة بالديكتاتور لاينتج عنها الا حكما ديكتوريا آخر و أمراء حرب يتصارعون على المصالح والثروات. وهذا هو الوضع المقلق بشأن ليبيا حيث تظهر بين الفينة والاخرى بوادر صراعات قد تشتعل فور القضاء نهائيا على القذافي. فالمجلس الانتقالي لايحظى باجماع الليبيين خصوصا الغرب الليبي. وثوار مصراته يرفضون الانصياع للقيادة العسكرية الثورية بالانسحاب من طرابلس وبلحاج لايثق بالمكتب التنفيذي للمجلس الانتقالي. إننا أمام مشروع حرب اهلية ليبية تنتظر شرارة الاشتعال. لذلك قد يبدو من السخرية بأن يتمنى البعض ان تطول مرحلة مطاردة القذافي علها تؤجل المصير المحتوم لحرب اهلية. وكذلك الامر في سوريا فبسبب طول فترة الاحتجاجات وشراسة النظام في التعامل مع المتظاهرين بدأت الانشقاقات في الجيش تظهر قبل الانشقاقات في بنية الدولة في شقها المدني السياسي. حيث أنه لو أستمرت هذه الانشقاقات فقد يتم عسكرة الثورة السورية وقد يؤدي الى تفسخ سورية جغرافيا وعرقيا وطائفيا. فكلنا نعلم بأن للاكراد مطامح وطنية مشروعة قد تتحول الى مطالب بالانفصال. أما التفسخ الطائفي فهو مابين مسلمين ومسيحيين وعلويين قد يشبة مايحصل في العراق أو قد ينتهي الى ماانتهى اليه الوضع في لبنان من محاصصة طائفية على المستوى السياسي وتفسخ بين الطوائف على المستوى الاجتماعي.

ولعله من المجدي التذكير بأن التحول الديموقراطي في أفضل صوره كما حصل في السبعينيات في أسبانيا واليونان مثلا أو أمريكا اللاتينية كان يبدأ من النخبة السياسية الحاكمة التي كانت تدرك بأن تكلفة الإستمرار في الديكتاتورية أعلى من تكلفة التحول الى الديموقراطية. لكن يبدو أن هذه التجارب بالنسبة لزعمائنا مفرطة بالطوباوية ولايمكن تطبيقها إلا في عصور الرومانسية. فلو أن حكاماً من مثل بشار الاسد وعلي عبدالله صالح تعلموا من دروس التاريخ في بلدانهم التي حدثت لطغاة سبقوهم ومن تجارب حدثت أمامهم لزعماء مخلوعين أومطاردين لما أوصلو بلدانهم الى هذا الحال من الصراع وامكانية التشظي.

فكما أسلفت أعلاه إن التحول الديموقراطي هو عملية مطولة تنطوي على صراعات مريره ونكسات متعددة تتوجب من القوى الساعية الى الدمقرطة ان تتمتع بطول نفس وقدرة على ملائمة بنيتها مع متطلبات كل مرحلة من مراحل التحول. فمثلاً في بريطانيا تتطلب الأمر أكثر من مائتي عام حتى أستقرت أسس الديموقراطية وتعمقت الى أن وصلت الى الشكل الذي نراه. لذلك تبرزهنا أهمية ان تتشكل أحزاب سياسية ونقابات وقوى مجتمع مدني تدفع باتجاه تعميق وتجذير الديموقراطية. فلايمكن الاعتماد على حركة الشعوب غير المنظمة في مرحلة التحول الديموقراطي. وهنا تقفز الى الذهن مرة اخرى مصر كحالة فريده حيث كان الاعتماد في البداية على حركة الشعب العفوية والتي وصلت الى حد الانفجار ولكن بعد سقوط الديكتاتور وابتداء مرحلة التحول الديموقراطي بدأ الاعتماد ينصب اكثر على الاحزاب السياسية الوطنية والاسلامية والتجمعات الشبابية من اجل الحشد لمظاهرات ألفية او مليونية. فالادوات تتغير حتى تكفل استمرار عملية التحول والوقوف امام أية محاولة للنكوص عن الديموقراطية.

ويبقى الرجاء من ان تكون العبرة لزعماء آخرين تغلي بلدانهم على فوهة بركان ينتظر الانفجار. فعليهم ان يحسبوا تكلفة الاستمرار في أسلوب الحكم الحالي وتكلفة إدخال إصلاحات ديموقراطية مقرونة باصلاحات اقتصادية تلبي طموحات شعوبهم. وهذا عمليا يتطلب تغيرا في قيم النخب الحاكمة من حيث قبول الأخر والاستعداد للتعاون والتفاوض مع جميع مكونات المجتمع وتحولا في استراتيجية حكمهم القائم على تقليص المخاطر المحيقة بعروشهم ليصبح مقياس الخطرهو الاستمرار بالسياسيات الحالية وتجنب تعميقها عن طريق الخوض في دماء الشعوب. والتغير القيمي عند النخب الحاكمة يتجلى في قبولهم بان الديموقراطية هي "اللعبة الوحيدة المقبوله" فعلى هذه النخب ان تدرك بأن اللحظة التاريخية قد جاءت وان الابواب قد فتحت فأما أن يعبروأ من الباب ويقبلوا مطالب شعوبهم واما أن تكون تكاليف التحول الديموقراطي مرتفعة.

2 comments:

Anonymous said...

هاهي تونس تذهب للانتخابات وهذا انجاز على طريق الديموقراطيه.

Anonymous said...

انت تقول بأن ليبيا ستقع بالحرب. لو ان القذافي بقي حيا وكتائبه تقتل الناس كان هذا تاخير للديموقراطيه.اما الان العجله ستدور ونرجو ان يلتزم الجميع بمصلحة ليبيا.